شيخ الشهداء عمر المختار

نبذة عن حياة عمر المختار

عمر المختار ( 1858م– 1931م) مجاهد ليبي حارب قوات الغزو الايطالية منذ دخولها أرض ليبيا إلى عام 1931. حارب الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عاما لأكثر من عشرين عاماً في أكثر من ألف معركة واستشهد باعدامه شنقا وتوفي عن عمر يناهز 73 عاماً. لقب بشيخ الشهداء، وشيخ المجاهدين، وأسد الصحراء: حصد عمر المُختار إعجاب وتعاطف الكثير من الناس أثناء حياته، وأشخاص أكثر بعد إعدامه، فأخبار الشيخ الطاعن في السن الذي يُقاتل في سبيل بلاده ودينه استقطبت انتباه الكثير من المسلمين والعرب الذين كانوا يعانون من نير الاستعمار الأوروبي في حينها.
مجاهدون ليبيون

نشأته وتعليمه

ولد عمر المختار بن عمر محمد فرحات ابريدان سنة 1858م، في قرية تسمى زاوية جنزور على الساحل الشرقي لليبيا، شمال قرية بئر الأشهب، وينحدر من قبيلة المنفة إحدى أكبر قبائل الشرق الليبي. عاش عمر المختار يتيما، إذ توفي والده وهو في طريقة لمكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وتولى رعايته شيخ زاوية تلك القرية الشيخ حسين الغرياني، وذلك بوصية من أبيه كما يقول المؤرخون الليبيون. وهنا انطلق نحو تعلم القرآن الكريم في تلك الزاوية (مدرسة دينية) فحفظه عن ظهر قلب.
سافر عمر المختار بعد ذلك إلى واحة الجغبوب، وكانت وقتها عاصمة للدعوة السنوسية شرقي ليبيا، والتحق بالمعهد الديني هناك لينهل من العلوم الشرعية المتنوعة، فدرس فيه على مدار ثماني سنوات، الفقه والحديث والتفسير واللغة العربية، على يد كبار علماء ومشايخ السنوسية.
 عمر المختار في زاويته  يعلم الاطفال القران .

من القلم للبندقية

تحول عمر المختار من واعظ وشيخ وعالم ديني إلى مقاتل لا يشق له غبار، سارعَ عمر المختار إلى تنظيم حركة التحرير والمقاومة منذ بداية الحرب الإيطالية على ليبيا في 29 سيبتمبر 1911م واستطاع أسد الصحراء أن يقف نداً لدولة ايطاليا التي تملك ترسانة عسكرية هي من ضمن الأحدث في ذلك الوقت، لكن قوة الطليان لم ثتنه عن تسطير أعظم المعاني في الحرية فلم تُرضِه المساومات والمفاوضات واستطاع أن يُنزل بعدوه خسائر فادحة وضربات موجعة وظل على الدوام يقول كلمته المشهورة في وجه المُحتل "لئن كَسر المدفع سيفي فلن يَكسر الباطل حقي.
عمر المُختار مع بعض المجاهدين.

 وترجل الفارس

في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1930 تمكن الطليان من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة، عثر الطليان عقب انتهائها على نظارات عمر المختار، كما عثروا على جواده المعروف "مقتولاً" في ميدان المعركة. أيقن المحتل أن المختار ما زال حيا، وقتها قال القائد الإيطالي غراتسياني مقولته المشهورة متوعدا "لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغدا نأتي برأسه".واستمرَّ عمر في جهاده حتّى وقع في الأسر.
عُمر المختار في الأسر وقد كُبِّل بالسلاسل دون مراعاة سنّه وحالته الصحيَّة.
بعدها بثلاثة أيام في 14 أيلول/ سبتمبر وصل غراتسياني الذي لم يصدق نفسه إلى بنغازي، وأعلن على عجل انعقاد المحكمة الخاصة 15 سبتمبر / أيلول 1931 وفي الساعة الخامسة مساء اليوم المحدد لمحاكمة عمر المختار "الصورية شكلا وموضوعا"،
  • س : لماذ حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشيستية؟
  • ج : لأنّ ديني يأمرني بذلك.
  • س : هل كنت تأمل في يوم من الأيام أن تطردنا من ليبيا بإمكانياتك الضئيلة وعددك القليل؟
  • ج : لا كان هذا مستحيلاً.
  • س : إذا ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟
  • ج : لا شيء إلا طردكم من بلادي لأنّكم مغتصبون، أمّا الحرب فهي فرض علينا، وما النصر إلّا من عند الله.
إحضار عمر المختار إلى قاعة المحكمة.
لتقضي بالحكم على البطل بالإعدام شنقا.
في صباح اليوم التالي للمحاكمة أي في 16 أيلول/ سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق (جنوب بنغازي) لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والمليشيا والطيران، و20 ألفا من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين الليبيين خصوصا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
وأُحضر المختار مكبل الأيدي، وفي تمام الساعة التاسعة صباحا، سار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وصعد إلى حبل المشنقة لا يهاب موتا ولا يستجدي أحدا، ومضى إلى جوار ربه شهيدا.....بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ..(( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ))
عمر المختار بعد أسره ونقله بالطرَّاد إلى بنغازي.
لحظة فك الأصفاد عن عمر المختار تمهيدًا لإعدامه.
" إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "

من أقوال شيخ الشهداء عمر المختار رحمه الله

  • إنّ الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، وأمّا الجريمة فلا بدّ من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء.
  • إنّني أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الإيمان أقوى من كل سلاح.
  • لئن كَسَرَ المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي.
  • إن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك.
  • سوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم، أمّا أنا فحياتي سوف تكون أطول من حياة شانقي.
  • أماه لا تجزعي فالحافظ الله إنا سلكناً طريقاً قد خبرناه
  • من كافأ الناس بالمكر كافاؤه بالغدر.
  • كن عزيزاً وإياك أن تنحنى مهما كان الأمر ضرورياً فربما لا تأتيك الفرصة كى ترفع رأسك مرة أخرى.
  • اننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن وليس لنا أن نختار غير ذلك إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
  • التردد أكبر عقبة في طريق النجاح.
  • إن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك.
  • حينما يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية.
  • نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت.
  • أما نهاية ما قال "الحكم حكم الله، لا حكمكم المزيف، إنا لله وإنا إليه راجعون"، قالها مبتسما عند سماعه الحكم عليه بالإعدام.

أشهر قصيدة قيلت في رثاء عمر المختار

أحمد شوقي >> رثاء عمر المختار >> نوع القصيدة : فصحى

رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ تَتَلَمَّسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ
يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ
وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ
لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ
فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَهُ وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ
وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ
خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ
إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ
وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ
وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ
في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ
لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ
بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ
لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ
لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ
وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ
شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ
وَأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرّائِها فَتَغَيَّرَت فَتَوَقَّعَ الضَرّاءَ
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ
وَأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقلَ حَديدِهِ أَسَدٌ يُجَرِّرُ حَيَّةً رَقطاءَ
عَضَّت بِساقَيهِ القُيودُ فَلَم يَنُؤ وَمَشَت بِهَيكَلِهِ السُنونَ فَناءَ
تِسعونَ لَو رَكِبَت مَناكِبَ شاهِقٍ لَتَرَجَّلَت هَضَباتُهُ إِعياءَ
خَفِيَت عَنِ القاضي وَفاتَ نَصيبُها مِن رِفقِ جُندٍ قادَةً نُبَلاءَ
وَالسُنُّ تَعصِفُ كُلَّ قَلبِ مُهَذَّبٍ عَرَفَ الجُدودَ وَأَدرَكَ الآباءَ
دَفَعوا إِلى الجَلّادِ أَغلَبَ ماجِداً يَأسو الجِراحَ وَيُعَتِقُ الأُسَراءَ
وَيُشاطِرُ الأَقرانَ ذُخرَ سِلاحِهِ وَيَصُفُّ حَولَ خِوانِهِ الأَعداءَ
وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّةً لِلَّيثِ يَلفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ
حَرَموا المَماتَ عَلى الصَوارِمِ وَالقَنا مَن كانَ يُعطي الطَعنَةَ النَجلاءَ
إِنّي رَأَيتُ يَدَ الحَضارَةِ أولِعَت بِالحَقِّ هَدماً تارَةً وَبِناءَ
شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ
يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ
أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ
ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ
وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ

صورة عمر المختار في الذاكرة

بقيت صورة عمر المختار حية، كما بقيت أهم شخصيات العالم شخصيته خالدة، وكأنه لا يزال على قيد الحياة، وخلّدت ليبيا بطلها الوطنيّ ، ويجدر بالذكر هنا أنَّ أنتوني كوين قام بتصوير حياة البطل عمر المختار، وذلك من خلال إنتاج فيلم (أسد الصحراء)، حيث عكس هذا الفيلم حياة عمر المختار بكل تفاصيلها، وقال عنه المؤلف أ. ديل بوكا: (لا يُمكن الاكتفاء بقول أنَّ عمر المختار مثال على المقاتل وصاحب العقيدة، وإنَّما يتعدّى ذلك، فهو مؤسس المنظمة العسكريّة السياسيّة المثاليّة، تلك المنظمة التي استمرت 10 سنوات محتفظة بقواتها العسكريّة تحت ظل أربعة حكام).

رحم الله شيخ الشهداء عمر المختار

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

{ سبحان الله وبحمده * سبحان الله العظيم }

المشاركات الشائعة